تجربتي مع لغتي.. عشقٌ لن ينتهي.
ولم يكن السبب بغريب طبعاً، وقد أجد الكثير من القراء الأعزاء من يتفق معي فيه، إذ يعود السبب هنا إلى معلم هذه المادة التي تفنن في طرحها وشرح دروسها على تلاميذه الصغار فأحبوه ومن ثم أحبوها.
بدأ ذلك الحب من يوم أن كان يُجري المعلمُ تقييمًا لنا ـ نحن تلامذته ـ بعد كل وحدة دراسية في النحو كتطبيق للدروس المأخوذة، ومازلت أتذكر تماماً حين كان يأخذُ منا كراسات التطبيق، ويضعُ لنا الدرجات المناسبة مع عبارة شكر وتحفيز للمتفوق في إجابته.
فكان لتلك العبارات جرسُها الخاص ووقعها العذب المؤثر في النفوس، اذ تجعل الواحد منا مُباهيًا أقرانه بها، ولن يُلامُ حينها لو طارَ فرحاً بما كتبه له معلمه.
نعم.. من هناك بدأت قصة ذلك الحب، ورواية ذلك العشق الغامر الذي تملك إحساس هذا التلميذ ، واستقر في كيانه حتى لحظة كتابة هذه الأسطر وسيزال .
وتأثراً بذلك الأداء وتلك الطريقة فإنني وأنا أمارس مهنتي أتقمص شخصية ذلك المعلم ، من حيث لا أدري، وأسقط بعضاً من حركاته وأساليبه في أدائي ، مع كل درس وفي مختلف المراحل التعليمية التي درستها ، سواء أكانت في المرحلة الأساسية أم الإعدادية والثانوية، ولم أنسَ بعضاً منها حاليا في تدريسي الجامعي.
إن التأثير الذي حدث إنما هو بسبب إخلاص ذلك المعلم وإبداعه في ادائه، ذلك ماصنع مني عاشقاً لتلك المادة ومحباً لها.
ويمكنني هنا القول أنه لو لم تكن الظروف الاقتصادية والانشغال بكسب العيش هي التي جعلتني أتّجِهُ إلى تخصّص آخر في دراستي الجامعية ، كون هذا التخصص يتطلب حضورًا ودوامًا إلزاميًا بشكل يومي ، لتوجهت الى دراسة هذا التخصص دون تردد ـ لعشقي للغة السماء ـ ولحققت ربما أعلى المراكز .
والجدير ذكره هنا أنني بسبب حبي لهذه المادة ، فقد أحسَّ طلابي بذلك الحب، بل قرؤوا مشاعري عند تدريسها فحدث التأثر والتأثير ، وهذا ما أفصحت به إحدى طالباتي يوم أن وجدتها في كلية اللغة العربية مجيبة عن سؤالي لاختيارها هذا التخصص بالقول : أستاذي، كنت أنت من جعلني أتوجه لهذا القسم ، حيث أحببت المادة لسهولتها ولمذاقها، ولم تكن الوحيدة التي صرحت بذلك طبعاً، بل هناك طلاب آخرون أفصحوا وصرحوا بنفس التصريح.
ومن اجل ذلك، استطيع القول بأن كل تلك المواقف هي التي جعلتني انقل تجربتي هذه وأكتب لزملائي المعلمين والمعلمات في اصقاع الارض موقفي هذا، لأن الاثر يبقى وإن لم يتوقعه صاحبه، وعلى قدر الإخلاص والإتقان الأعمال تكون النتائج والثمار، فهلا ازددنا إخلاصاً وإتقاناً لمهامنا على كل صعيد كي نحقق أهدافنا ونؤثر فيمن بعدنا، وتظل ناطقة بكل ذلك بصماتنا.. ذلك مانبغي ونؤمل والله وحده المستعان.
===========


كم هو رائع مقالك دكتور غازي بوركت جهودك
ردحذفبوركت اخي الكريم.. مرورك أروع
حذف